جبل حرمون: تحديات المناخ تطرق بابه

جبل حرمون، هذا المعلم الطبيعي الشامخ الذي يمتد بين سوريا ولبنان، يشهد تغيرات مناخية سريعة تهدد نظامه البيئي الهش. فبعد أن كان معروفًا بقممه المغطاة بالثلوج وموارده المائية الوفيرة، بات يواجه تغيرات في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار، في انعكاس مقلق لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

اتفاقية باريس لعام 2015 هدفت إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 2°م، ويفضل أن لا تتجاوز 1.5°م مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. ومع ذلك، فإن تغير المناخ يُعيد تشكيل المناظر الطبيعية حول العالم، حيث تظهر آثاره بوضوح على جبل حرمون.

تشير البيانات المستمدة من منصة “Meteoblue” المتخصصة في الطقس والمناخ، ومن تحليل المناخ العالمي “ERA5” التابع للمركز الأوروبي للتنبؤات متوسطة المدى، إلى اتجاهات مناخية ملحوظة في المنطقة بين عامي 1979 و2021. وعلى الرغم من الاختلافات المحلية في المناخات الدقيقة، فإن الصورة العامة واضحة: درجات الحرارة في ارتفاع، وأنماط الهطول تتغير.

تُبرز سلسلة من الرسوم البيانية هذه التحولات المناخية. يتتبع المخطط الأول متوسط درجات الحرارة السنوية، حيث تمثل الخطوط الزرقاء المتقطعة الاتجاهات طويلة المدى. إذا كان الخط في تصاعد، فهذا يعني أن الاحترار يزداد؛ وإذا كان مستويًا، فإن الظروف مستقرة؛ أما إذا كان في انخفاض، فإن المنطقة تبرد—لكن في حالة جبل حرمون، يبدو أن الاحترار هو الاتجاه السائد.

يُعد هطول الأمطار مؤشرًا مهمًا آخر. يعرض المخطط الثاني تقديرًا لإجمالي الهطول السنوي، حيث يشير الخط الأزرق المتقطع الصاعد إلى زيادة الأمطار، بينما يدل الاتجاه التنازلي على مستقبل أكثر جفافًا. في القسم السفلي، توفر “شرائط الهطول” تمثيلًا مرئيًا لتقلبات الأمطار السنوية—الأخضر للأعوام الرطبة، والبني للأعوام الأكثر جفافًا.

تعكس هذه التغيرات المناخية معًا واقعًا صارخًا. فقد كان جبل حرمون تاريخيًا مصدرًا حيويًا للمياه والتنوع البيولوجي، لكنه اليوم عند مفترق طرق. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار، يواجه التوازن البيئي في المنطقة مستقبلًا غير مؤكد. يبقى السؤال: هل يمكن لاتخاذ إجراءات مناخية استباقية أن يساعد في الحفاظ على هذا المعلم الطبيعي قبل فوات الأوان؟

التغير السنوي في درجات الحرارة

تعرض مجموعة من الرسوم البيانية هذا التغير المناخي. يقدّر المخطط الأول متوسط درجة الحرارة السنوية في منطقة جبل حرمون، حيث يحدد الخط الأزرق المتقطع الاتجاه طويل المدى. إذا كان الخط في تصاعد، فهذا يؤكد ارتفاع درجات الحرارة؛ وإذا كان مستويًا، فهذا يشير إلى استقرار المناخ؛ أما إذا كان في انخفاض، فهذا يعني أن درجات الحرارة قد انخفضت.

في الأسفل، تقدم “شرائط الاحترار” تمثيلًا مرئيًا واضحًا—حيث تمثل كل شريحة سنة معينة، وتشير درجات اللون الأزرق إلى السنوات الباردة، بينما يرمز اللون الأحمر إلى السنوات الأكثر دفئًا. يبرز الانتقال التدريجي من الأزرق إلى الأحمر على مر الزمن حقيقة لا يمكن إنكارها: جبل حرمون يزداد حرارة.

هذا الجبل، الذي اشتهر يومًا بقممه المغطاة بالثلوج وموارده المائية الحيوية، يواجه الآن مستقبلًا غير مؤكد. ومع تفاقم تغير المناخ، يبقى السؤال المطروح—إلى متى سيتمكن جبل حرمون من الصمود أمام هذا الاحترار؟

التغير السنوي في معدلات الهطول

يعرض المخطط العلوي تقديرًا لمتوسط الهطول السنوي في منطقة جبل حرمون الكبرى، مما يوفر نظرة على الاتجاهات المناخية طويلة المدى. يمثل الخط الأزرق المتقطع الاتجاه العام لتغير المناخ. إذا كان الخط مائلًا للأعلى، فهذا يشير إلى زيادة في الهطول، ما يعني مناخًا أكثر رطوبة في جبل حرمون. أما إذا كان مستويًا، فهذا يدل على عدم وجود تغيير ملحوظ، بينما يشير الميلان نحو الأسفل إلى اتجاه نحو الجفاف بمرور الوقت.

في الأسفل، يُظهر المخطط أنماط الهطول من خلال “شرائط الهطول” المرمزة بالألوان، حيث تمثل كل شريحة إجمالي كمية الأمطار في سنة معينة. تشير درجات اللون الأخضر إلى السنوات الأكثر رطوبة، بينما تسلط الظلال البنية الضوء على الفترات الأكثر جفافًا، مما يرسم صورة واضحة عن المناخ المتغير في جبل حرمون.

الانحرافات الشهرية في درجات الحرارة والهطول

يُظهر المخطط العلوي انحراف درجات الحرارة لكل شهر منذ عام 1979 وحتى اليوم. يوضح هذا الانحراف مدى ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة مقارنةً بمتوسط المناخ لفترة 30 عامًا (1980-2010). لذا، فإن الأشهر المظللة باللون الأحمر كانت أكثر دفئًا من المعتاد، في حين أن الأشهر الزرقاء كانت أبرد من المعتاد.

في معظم المناطق، يلاحظ ازدياد الأشهر الدافئة على مر السنين، مما يعكس الاحتباس الحراري المرتبط بتغير المناخ.

يُظهر المخطط السفلي انحراف الهطول لكل شهر منذ عام 1979 وحتى اليوم. يوضح هذا الانحراف ما إذا كان الشهر قد شهد هطولًا أكثر أو أقل مقارنةً بمتوسط المناخ لفترة 30 عامًا (1980-2010). لذا، فإن الأشهر المظللة باللون الأخضر كانت أكثر رطوبة من المعتاد، في حين أن الأشهر البنية كانت أكثر جفافًا من المعتاد.

 

 

مقالات ذات صلة

كشف النقاب عن الزواحف والبرمائيات المخفية في لبنان: اكتشافات جديدة في توزيع الأنواع

يتميز لبنان بتضاريسه المتنوعة، من السهول الساحلية إلى السلاسل...

حماية الأقارب البرية للمحاصيل في لبنان: خارطة طريق للحفظ

يعد لبنان، الواقع ضمن الهلال الخصيب، من أبرز المناطق...

جبل حرمون: القمة المقدسة التي تربط الأديان والتاريخ

بارتفاعه الشاهق البالغ 2,814 متراً فوق سطح البحر، يُعرف...

إنقاذ قلب لبنان الأخضر: تحديد وحماية المناطق النباتية الهامة

يُعدّ لبنان، جوهرة البحر الأبيض المتوسط، موطناً لتنوع نباتي...

الأنواع المتوطنة

The most common annual Anthemis of Mt Hermon highlands | 2000+ Hhermon | Photo © albert keshet
Anthemis rasheyana

إقحوان راشيا

أنثيميس الرشايانية (Anthemis rasheyana)، المعروفة باسم إقحوان راشيا، هي نوع من النباتات المزهرة موطنها منطقة راشيا في لبنان. تنتمي إلى عائلة النجمية (Asteraceae) وترتبط...
Hermon Maple

قيقب حرمون

القيقب الحرموني (Acer hermoneum) هو نوع نادر من أشجار القيقب موطنه شرق البحر الأبيض المتوسط، ويوجد بشكل رئيسي في لبنان وسوريا، بما في ذلك...
النعار السوري

النعار السوري

طائر النعار السوري (Serinus syriacus)، المعروف أيضًا باسم النعار الشرقي، هو طائر عصفور صغير ينتمي إلى عائلة الشرشوريات (Fringillidae). يوجد هذا الطائر في منطقة...