يتميز لبنان بتضاريسه المتنوعة، من السهول الساحلية إلى السلاسل الجبلية الوعرة، مما يجعله موطناً غنياً بالزواحف والبرمائيات، رغم أن توزيع هذه الأنواع لا يزال غير موثق بالكامل. أجرى كل من هراوي-بلوكيت، صادق، سينداكو، وفينكي دراسة نُشرت في علم الحيوان في الشرق الأوسط (27، 2002: 35-46، ISSN 0939-7140، كاسبارك فيرلاج، هايدلبرغ)، حيث قدموا أكثر من 400 سجل جديد للزواحف والبرمائيات، مما ألقى الضوء على توزيع هذه الأنواع في مختلف أنحاء البلاد. تمثل هذه الدراسة خطوة مهمة نحو تحديث قائمة الأنواع في لبنان وفهم تنوعه البيولوجي بشكل أعمق.
توسيع المعرفة بالتوزيع الجغرافي
من بين أهم الاكتشافات، تسجيل Cyrtopodion amictopholis لأول مرة في سلسلة جبال لبنان، بعدما كان يُعتقد سابقًا أنه يقتصر على جبل حرمون. كما تم تسجيل Lacerta fraasii، التي كانت تعتبر مستوطنة فقط في جبل لبنان، في سلسلة جبال لبنان الشرقية (الأنتي-لبنان)، مما يشير إلى نطاق انتشار أوسع مما كان متوقعًا.
ومن بين الاكتشافات المهمة الأخرى، تأكيد وجود Macrovipera lebetina، وهو نوع لم يكن وجوده في لبنان مؤكداً. توفر هذه الدراسة سجلات قاطعة لوجود هذا النوع في موقعين في شمال البلاد، مما يثبت وجوده في المنطقة. هذه النتائج تؤكد الحاجة إلى مزيد من الدراسات الميدانية لرسم خريطة دقيقة لتوزيع الأنواع وتقييم حالتها البيئية.
تنوع غير مدروس بشكل كافٍ
جمعت الدراسة سجلات من مصادر مختلفة، بما في ذلك مجموعات المتاحف، والملاحظات الميدانية، والأدبيات التاريخية. في المجموع، تم توثيق خمسة أنواع من البرمائيات و44 نوعًا من الزواحف، حيث كانت العديد من هذه الأنواع معروفة سابقًا من خلال عدد قليل فقط من السجلات. على سبيل المثال، تم تأكيد وجود السمندل المخطط (Triturus vittatus vittatus) في عدة مواقع، بما في ذلك بيت شباب، بكفيا، ويعشوش، مما يبرز انتشاره الواسع رغم قلة توثيقه.
كما تم تسجيل Salamandra infraimmaculata infraimmaculata في عدة مواقع عبر سلسلة جبال لبنان، مع تسجيل مهم لها في جبال الأنتي-لبنان عند عين نبي شيت. كما أكدت الدراسة الانتشار الواسع للعلجوم الأخضر (Bufo viridis) وضفدع الشجر (Hyla savignyi).
تنوع الحياة الزاحفة
تدعم تضاريس لبنان المتنوعة مجموعة واسعة من الزواحف، بما في ذلك السحالي والضبّيات والثعابين. تم تأكيد وجود السلحفاة اليونانية (Testudo graeca terrestris) في مناطق مثل وادي نهر إبراهيم ومنابع نهر العاصي. كما أكدت الدراسة الانتشار الواسع للحرذون نجمي الذيل (Laudakia stellio stellio)، وهو مشهد شائع في التضاريس الصخرية للبنان.
من بين السحالي الأقل شيوعًا، تم تسجيل Lacerta fraasii على ارتفاعات عالية في كل من جبل لبنان وجبل الأنتي-لبنان، مما يشير إلى قدرتها على التكيف البيئي بشكل أوسع. كما تم تأكيد أن Ophisops elegans، وهو نوع من السحالي ذات العيون الأفعوانية، شائع في عدة مناطق.
كما قدمت الدراسة سجلات مهمة لأنواع الثعابين في لبنان، حيث تم العثور على ثعبان العملة (Hemorrhois nummifer) والثعبان السوط الكبير (Dolichophis jugularis) على نطاق واسع. علاوة على ذلك، تم تأكيد وجود الأفعى الفلسطينية (Vipera palaestinae)، وهي من الأنواع السامة المهمة طبيًا، في عدة مواقع، بما في ذلك بيروت، شحيم، ووادي نهر إبراهيم.
تأثيرات على جهود الحفظ
تسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على الحاجة الملحة إلى جهود حفظ الزواحف والبرمائيات في لبنان. لا تزال العديد من الأنواع غير مدروسة بشكل كافٍ، ويشكل تدمير المواطن الطبيعية بسبب التوسع الحضري وإزالة الغابات والتوسع الزراعي تهديدًا متزايدًا. تشير السجلات الجديدة لتوسع نطاق الأنواع إلى أن العديد منها قد يكون له تحمل بيئي أوسع مما كان يُعتقد سابقًا، لكنها أيضًا تؤكد أهمية الحفاظ على المواطن الطبيعية.
يعد فهم توزيع الأنواع أمرًا بالغ الأهمية لتصميم استراتيجيات حفظ فعالة. سيساعد الحفاظ على المواطن البيئية الحرجة، مثل غابات الأرز في الباروك والمناطق الرطبة في عميق، في حماية الزواحف والبرمائيات في لبنان. ينبغي أن تركز الأبحاث المستقبلية على تقييم أعداد هذه الأنواع، ومتطلباتها البيئية، والتهديدات المحتملة التي تواجهها.
الخاتمة
تمثل هذه الدراسة تقدمًا كبيرًا في توثيق الزواحف والبرمائيات في لبنان. مع أكثر من 400 سجل جديد، تقدم الدراسة صورة أوضح عن التنوع البيولوجي في البلاد. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الفجوات في المعرفة، مما يجعل استمرار الأبحاث الميدانية أمرًا ضروريًا لكشف المزيد من خفايا الحياة الزاحفة في لبنان. من خلال تعزيز معرفتنا وتعزيز جهود الحفظ، يمكننا ضمان استمرار ازدهار الحياة الفريدة والمتنوعة من الزواحف والبرمائيات في لبنان للأجيال القادمة.
