في خطوة تاريخية لحماية البيئة، صوّت البرلمان اللبناني في يناير 2021 على تصنيف جبل حرمون، المعروف أيضًا باسم جبل الشيخ، كمحمية طبيعية رقم 18 في البلاد. ويمثل هذا القرار إنجازًا مهمًا ضمن الجهود المستمرة للحفاظ على التراث الطبيعي والتنوع البيولوجي في لبنان.
ثمرة جهود استمرت عامين
وجاءت الموافقة على هذا القانون بعد عامين من العمل الجاد من قبل قادة البلديات والمناطق في راشيا والبقاع الغربي. وتمتد المنطقة المحمية حديثًا على مساحة 1,260 هكتارًا بالقرب من راشيا الوادي، مما يضمن حماية قانونية لنباتاتها الفريدة وحياتها البرية وقيمتها التاريخية. وقد أشاد المسؤولون المحليون والناشطون البيئيون بهذا القرار، معتبرينه خطوة نحو تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.
ملاذ للتنوع البيولوجي والثروات الطبيعية
يعد جبل حرمون أكثر من مجرد معلم طبيعي خلاب؛ فهو كنز بيئي فريد يضم مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات، وبعضها مستوطن في المنطقة. ومن أبرز ثرواته الطبيعية وجود 124 نوعًا من النباتات الطبية التي اعتمدت عليها المجتمعات المحلية لعلاج العديد من الأمراض. ووفقًا لمجلة الصيدلة والعلوم الدوائية، فقد أثبتت هذه النباتات فعاليتها في علاج أمراض الجهاز التنفسي والهضمي والكبد والجلد، إضافةً إلى حالات مزمنة مثل السكري.
إلى جانب أهميته البيئية، يلعب جبل حرمون دورًا رئيسيًا في دورة المياه في المنطقة، إذ تغطي قممه الثلوج معظم فترات السنة، ما يجعله مصدرًا أساسيًا لتغذية المياه الجوفية التي يعتمد عليها السكان المحليون. ويجعل ذلك حمايته أمرًا ضروريًا ليس فقط للحفاظ على التنوع البيولوجي ولكن أيضًا لضمان الأمن المائي في لبنان، خاصة في ظل التحديات البيئية المتزايدة.
معلم مقدس وتاريخي
لا تقتصر أهمية جبل حرمون على قيمته البيئية فقط، بل يحمل أيضًا مكانة دينية وتاريخية عميقة. وفقًا للتقاليد المسيحية، يُعتقد أن الجبل كان موقع تجلي السيد المسيح، مما يجعله وجهة دينية مهمة للمسيحيين. كما يتمتع بمكانة روحية في تقاليد دينية أخرى، مما يعزز أهميته الثقافية.
على مر العصور، جذب جبل حرمون المؤمنين والمؤرخين والسياح والبيئيين. فمواقعه الأثرية ومساراته القديمة تروي قصة الحضارات التي قدّست هذا الجبل لآلاف السنين. ومن خلال تصنيفه كمحمية طبيعية، لا يحافظ لبنان فقط على إرثه البيئي، بل يخلّد إرثًا غنيًا من التاريخ والإيمان.
تعزيز السياحة البيئية والتنمية المستدامة
من المتوقع أن يسهم إعلان جبل حرمون محمية طبيعية في تعزيز قطاع السياحة البيئية في لبنان. ومن خلال تطبيق إجراءات الحماية، تهدف الحكومة إلى تطوير مشاريع سياحية مستدامة تسمح للزوار باستكشاف جمال الجبل دون الإضرار بالبيئة. ويمكن إنشاء مسارات المشي والجولات الإرشادية والبرامج التعليمية لنشر الوعي حول الأهمية البيئية والتاريخية للجبل.
إضافةً إلى ذلك، فإن حماية جبل حرمون تفتح فرصًا اقتصادية للمجتمعات المحلية، حيث يمكن أن توفر مبادرات السياحة البيئية مثل النزل البيئية والجولات الثقافية فرص عمل بديلة عن الأنشطة الاقتصادية التقليدية. وقد يشجع ذلك السكان المحليين على المشاركة في جهود الحفظ واعتماد ممارسات مستدامة.
ضمان جهود الحفظ طويلة الأمد
ورغم أن الوضع القانوني الجديد يشكّل انتصارًا مهمًا، يؤكد الخبراء ضرورة وضع استراتيجيات طويلة الأمد للحفاظ على المحمية. إذ سيكون من الضروري تنفيذ خطط إدارة فعالة، وإشراك المجتمع المحلي، وضمان الدعم الحكومي للحفاظ على نزاهة المحمية. كما أن مواجهة التحديات مثل القطع الجائر للأشجار، والسياحة غير المنظمة، والتغير المناخي ستتطلب تعاونًا مستمرًا بين مختلف الجهات المعنية.
وقد تعهدت المنظمات البيئية بدعم الجهود الرامية إلى تطوير أطر الحماية ونشر الوعي حول أهمية الحفاظ على جبل حرمون. كما أن الشراكات بين المؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص ستلعب دورًا محوريًا في ضمان بقاء المحمية ملاذًا طبيعيًا للأجيال القادمة.
إنجاز تاريخي
يمثل تصنيف جبل حرمون كمحمية طبيعية إنجازًا بارزًا في جهود لبنان للحفاظ على بيئته. فإلى جانب حماية تنوعه البيولوجي الفريد، يكرّم هذا القرار أهميته التاريخية والدينية، ويمهّد الطريق نحو سياحة مستدامة ونمو اقتصادي مسؤول. وبينما يواصل لبنان مواجهة التحديات البيئية، فإن حماية جبل حرمون تعد شهادة على التزام الأمة بالحفاظ على إرثها الطبيعي والثقافي للأجيال القادمة.