رسم خريطة المستقبل: الحاجة الملحة للحفاظ على الحبوب والبقول البرية في جبل حرمون في لبنان

أجرت مجموعة من الباحثين من الجامعة اللبنانية، وجامعة بيروت العربية، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، إلى جانب خبراء مستقلين، مسحًا نباتيًا رائدًا في الجانب البقاعي من جبل حرمون، حيث قاموا بتحديد وتوثيق توزيع الأقارب البرية للحبوب والبقول. تهدف هذه الدراسة إلى تقييم وتوثيق هذه الموارد الجينية الحيوية، مع تسليط الضوء على أهمية إعطاء الأولوية لجهود الحفظ في منطقة تواجه تهديدات بيئية متزايدة.

يُعتبر جبل حرمون، الواقع في الطرف الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الشرقية، نقطة تنوع بيولوجي هامة، حيث يحتضن مجموعة واسعة من النباتات البرية، بما في ذلك 46 نوعًا من الأقارب البرية للمحاصيل تنتمي إلى عائلتي البقوليات (Fabaceae) والنجيليات (Poaceae). تلعب هذه النباتات دورًا جوهريًا كمصادر جينية للزراعة العالمية، حيث تمنح المحاصيل القدرة على مقاومة التغير المناخي، والأمراض، والضغوط البيئية. ومع ذلك، فإن تجزئة الموائل، والرعي الجائر، والتوسع العمراني تشكل تهديدًا لبقائها.

لماذا تعتبر الأقارب البرية للمحاصيل مهمة؟

تُعد الأقارب البرية للمحاصيل ضرورية في برامج التربية الزراعية، لأنها تمتلك صفات فريدة يمكن أن تحسن مقاومة المحاصيل المزروعة للآفات والأمراض والظروف الجوية القاسية. أنواع مثل Aegilops (أحد أقارب القمح)، وAvena sterilis (الشوفان البري)، وTrifolium (البرسيم) هي مخازن جينية قيّمة لتطوير الزراعة. وعلى الرغم من أهميتها، فإن هذه النباتات غالبًا ما تُهمَل في مبادرات الحفظ، مما يجعل دراسات كهذه ضرورية لسد الفجوات المعرفية وتوجيه الجهود المستقبلية للحفاظ عليها.

إن الأقارب البرية لمحاصيلنا الأساسية تحمل مفتاح الأمن الغذائي، حيث توفر الجينات التي تساعد المحاصيل على التكيف مع الظروف القاسية، مما يضمن استدامة الإنتاج الزراعي للأجيال القادمة.

المسح ورسم الخرائط: دراسة فريدة من نوعها

أجرى الباحثون مسحًا نباتيًا مكثفًا بين أبريل ويونيو 2021، شمل 17 موقعًا عبر جبل حرمون. باستخدام أساليب مسح منهجية تعتمد على خطوط العبور والمربعات، قاموا بتسجيل وإحداثيات 854 حالة من أنواع الأقارب البرية للمحاصيل. تم بعد ذلك رسم خرائط لهذه البيانات باستخدام برنامج DIVA-GIS، مما كشف عن رؤى مهمة حول تنوع النباتات في المنطقة.

أظهرت ثلاث مناطق – الفاكهة، شِعم الحَفور، وعين عطا-البركة – أعلى مستويات التنوع البيولوجي، حيث احتوت هذه المواقع على 87% من الأنواع المسجلة، مما يجعلها مرشحة رئيسية لجهود الحفظ. بلغ مؤشر التنوع شانون، الذي يقيس مدى غنى الأنواع في المنطقة، بين 2.45 و2.83، مما يدل على أهميتها البيئية الكبيرة.

التهديدات التي تواجه النباتات البرية في جبل حرمون

على الرغم من غناه البيولوجي، تواجه النباتات البرية في جبل حرمون تحديات خطيرة. حددت الدراسة أن تدهور الموائل بسبب الممارسات الزراعية غير المستدامة، والرعي الجائر، والتغير المناخي، والزحف العمراني يعد من التهديدات الرئيسية لأنواع الأقارب البرية للمحاصيل. من دون جهود حفظ عاجلة، قد تخسر لبنان موردًا جينيًا حيويًا يمكن أن يكون مفتاحًا لمواجهة الأزمات الزراعية المستقبلية.

إن رفع الوعي وتنفيذ استراتيجيات الحفظ ضرورة ملحة. فبدون تدخل سريع، قد نفقد موارد جينية لا تقدر بثمن يمكنها تأمين الإمدادات الغذائية العالمية.

استراتيجيات الحفظ: الطريق إلى المستقبل

لمواجهة هذه التهديدات، يقترح الباحثون نهجًا مزدوجًا للحفظ:

  1. الحفظ في الموقع الطبيعي (In Situ Conservation): حماية أنواع الأقارب البرية في موائلها الطبيعية من خلال إنشاء محميات بيئية في المناطق الغنية بالتنوع الحيوي، مثل شِعم الحفور والفاكهة.
  2. الحفظ خارج الموقع الطبيعي (Ex Situ Conservation): جمع المواد الجينية وحفظها في بنوك البذور، مثل بنك الجينات في إيكاردا، لضمان الحفاظ على التنوع البيولوجي ودعم برامج تحسين المحاصيل المستقبلية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إشراك المجتمعات المحلية في جهود الحفظ أمر بالغ الأهمية. فالكثير من هذه النباتات البرية تُستخدم تقليديًا في الغذاء، والطب، والرعي، مما يجعل التعاون مع السكان المحليين عنصرًا أساسيًا في الحفاظ عليها.

دعوة لدعم وطني ودولي

يشكل إعلان لبنان الأخير عن جبل حرمون كمحمية طبيعية فرصة فريدة لدمج حفظ الأقارب البرية للمحاصيل في السياسات البيئية الوطنية. يدعو الباحثون صانعي السياسات، وعلماء البيئة، والمؤسسات الزراعية إلى التعاون في تنفيذ استراتيجيات حفظ مستهدفة.

يجب أن يكون الحفاظ على الأقارب البرية في جبل حرمون أولوية وطنية. فهذه النباتات ليست مجرد جزء من التراث اللبناني، بل هي ضرورية لمستقبل الزراعة العالمية.

مع تفاقم تغير المناخ وتزايد المخاوف بشأن الأمن الغذائي عالميًا، لم يكن دور الأقارب البرية للمحاصيل أكثر أهمية من اليوم. من خلال إعطاء الأولوية لحمايتها الآن، يمكن للبنان أن يسهم في مستقبل زراعي أكثر مرونة، مع الحفاظ على تنوعه البيولوجي الغني للأجيال القادمة.

Source: Sayde, E., Chalak, L., Baydoun, S.,Shehadeh, A., El Zein, H., Al Beyrouthy, J., & Yazbek, M.(2024). Surveying and mapping cereals and legumes wildrelatives in Mount Hermon (Bekaa, Lebanon). Ecology andEvolution, 14, e10943. https://doi.org/10.1002/ece3.10943

 

مقالات ذات صلة

كشف النقاب عن الزواحف والبرمائيات المخفية في لبنان: اكتشافات جديدة في توزيع الأنواع

يتميز لبنان بتضاريسه المتنوعة، من السهول الساحلية إلى السلاسل...

حماية الأقارب البرية للمحاصيل في لبنان: خارطة طريق للحفظ

يعد لبنان، الواقع ضمن الهلال الخصيب، من أبرز المناطق...

جبل حرمون: تحديات المناخ تطرق بابه

جبل حرمون، هذا المعلم الطبيعي الشامخ الذي يمتد بين...

جبل حرمون: القمة المقدسة التي تربط الأديان والتاريخ

بارتفاعه الشاهق البالغ 2,814 متراً فوق سطح البحر، يُعرف...

إنقاذ قلب لبنان الأخضر: تحديد وحماية المناطق النباتية الهامة

يُعدّ لبنان، جوهرة البحر الأبيض المتوسط، موطناً لتنوع نباتي...

الأنواع المتوطنة

The most common annual Anthemis of Mt Hermon highlands | 2000+ Hhermon | Photo © albert keshet
Anthemis rasheyana

إقحوان راشيا

أنثيميس الرشايانية (Anthemis rasheyana)، المعروفة باسم إقحوان راشيا، هي نوع من النباتات المزهرة موطنها منطقة راشيا في لبنان. تنتمي إلى عائلة النجمية (Asteraceae) وترتبط...
Hermon Maple

قيقب حرمون

القيقب الحرموني (Acer hermoneum) هو نوع نادر من أشجار القيقب موطنه شرق البحر الأبيض المتوسط، ويوجد بشكل رئيسي في لبنان وسوريا، بما في ذلك...
النعار السوري

النعار السوري

طائر النعار السوري (Serinus syriacus)، المعروف أيضًا باسم النعار الشرقي، هو طائر عصفور صغير ينتمي إلى عائلة الشرشوريات (Fringillidae). يوجد هذا الطائر في منطقة...