المدة: 42 شهرًا (أبريل 2020 – أكتوبر 2023)
تقع في المناظر الطبيعية الغنية بالتنوع البيولوجي في جبل حرمون بلبنان، مبادرة رائدة تثبت أن الزراعة التقليدية والحفاظ على البيئة يمكن أن يسيرا جنبًا إلى جنب. بقيادة جمعية البيئة للحياة (EFL) وبدعم من صندوق الشراكة من أجل النظم البيئية الحرجة (CEPF)، نجحت مبادرة زراعة الزيتون في جبل حرمون في الجمع بين ممارسات زراعة الزيتون القديمة والتقنيات الحديثة للحفاظ على البيئة. من خلال منحة بقيمة 280,238.18 دولار أمريكي، لم يقتصر المشروع على حماية التنوع البيولوجي، بل مكّن أيضًا المزارعين المحليين وعزز صناعة زيت الزيتون. استمرت المبادرة من أبريل 2020 إلى أكتوبر 2023، لتثبت كيف يمكن أن تكون الزراعة المستدامة قوة للحفاظ على البيئة.
الحفاظ على الممارسات التقليدية من أجل مستقبل مستدام
يُعد حوض البحر الأبيض المتوسط أحد أكثر المناطق غنىً بالتنوع البيولوجي في العالم، ويحتوي جبل حرمون على نظام بيئي فريد يشمل أنواعًا مهددة بالانقراض وأراضٍ زراعية واسعة. ومع ذلك، فإن تزايد الضغط الناجم عن الزراعة الحديثة، وتدمير الموائل، وتغير المناخ هدد بإخلال التوازن الدقيق بين الزراعة والتنوع البيولوجي. ومن هذا المنطلق، تعاونت EFL مع المزارعين والبلديات المحلية ووزارة الزراعة ووزارة البيئة لتطبيق تقنيات زراعة الزيتون الصديقة للتنوع البيولوجي.
كان جوهر المشروع هو الالتزام بـ الحفاظ على استخدام الأراضي التقليدي مع إدخال تدابير للحفاظ على البيئة. وتم تشجيع المزارعين على تبني “ميثاق الممارسات الجيدة”، والذي تضمن:
- زراعة صديقة للتنوع البيولوجي للحفاظ على صحة التربة والنباتات.
- حظر الصيد لحماية الطيور والزواحف المحلية.
- تدابير لحفظ التربة والمياه للتخفيف من آثار تغير المناخ.
- استراتيجية تسويق لتعزيز الوصول إلى الأسواق الوطنية والدولية لزيت الزيتون عالي الجودة.
من خلال برامج تدريب مستهدفة، تعلم أكثر من 53 مزارعًا تقنيات مستدامة حسنت إنتاج الزيتون دون الإضرار بالبيئة. وتم نقل هذه المعرفة إلى الأجيال القادمة، مما يضمن الاستدامة طويلة الأجل لزراعة الزيتون التقليدية.
آثار المشروع على الحفاظ على البيئة والزراعة
امتد تأثير المشروع على الحفاظ على البيئة إلى ما هو أبعد من مجرد زراعة الزيتون. فمن خلال الحفاظ على 6,000 هكتار من الأراضي الزراعية، بما في ذلك 320 هكتارًا من بساتين الزيتون، دعم المشروع بشكل مباشر بقاء العديد من الأنواع المهددة عالميًا:
- الحسون السوري (Serinus syriacus) – معرض للخطر (VU)
- سحلية شرايبر (Acanthodactylus schreiberi syriaca) – مهددة بالانقراض (EN)
- سحلية فراس (Parvilacerta fraasii) – مهددة بالانقراض (EN)
- سحلية كولزر (Phoenicolacerta kulzeri) – مهددة بالانقراض (EN)
ساهمت جهود استعادة الموائل، بما في ذلك بناء 400 متر من المصاطب الحجرية وزراعة الأسيجة النباتية، في توفير مواقع تعشيش آمنة للطيور والحيوانات الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، ساعد إدخال أعواد خشبية طويلة في بساتين الزيتون طيور الذباب على الوقوف والتحكم بشكل طبيعي في الحشرات الضارة، مما يقلل من الحاجة إلى المبيدات.
تمكين المزارعين وتعزيز الوصول إلى الأسواق
كان أحد الجوانب الرئيسية للمبادرة هو ضمان الاعتراف بزيت الزيتون الصديق للتنوع البيولوجي وقيمته في السوق. تلقى المزارعون دعمًا في تحسين جودة زيت الزيتون، حيث أثبتت التحليلات الفيزيائية والكيميائية أن زيت الزيتون في جبل حرمون يلبي المعايير الدولية. وبلغت مستويات الحموضة في الزيتون أقل من 0.8، مما يؤهله ليكون زيت زيتون بكر ممتاز وفقًا لمعايير المجلس الدولي للزيتون (IOOC).
لتعزيز الفرص الاقتصادية، شارك المشروع ثلاثة معاصر زيتون وتعاونيتان في اعتماد طرق التصنيع التقليدية المتوافقة مع الممارسات الزراعية الجيدة (GAPs). أدت هذه الجهود إلى زيادة الطلب على زيت الزيتون المنتج محليًا، مما فتح الأبواب للفرص التصديرية.
تعزيز مشاركة المجتمع وزيادة الوعي
أكد المشروع على أهمية مشاركة المجتمع في الحفاظ على البيئة. جذبت ورش العمل وجلسات العصف الذهني والبرامج التدريبية مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك المزارعين المحليين وقادة البلديات ومجموعات الشباب. كما تم تدريب حراس الشرطة البلدية على تنفيذ حظر الصيد، مما أدى إلى انخفاض في الصيد غير القانوني للطيور في المنطقة.
سلطت حملة توعية رئيسية الضوء على العلاقة بين بساتين الزيتون والسكان الطيور، حيث كشفت الأبحاث أن 73 نوعًا مختلفًا من الطيور تعتمد على مزارع الزيتون للبقاء على قيد الحياة. قاد هذا البحث إلى نشر مقال أكاديمي بعنوان “التنوع الطيري في بساتين الزيتون اللبنانية”، والذي أكد على الدور الحاسم الذي تلعبه زراعة الزيتون في دعم التنوع البيولوجي.
الاعتراف الرسمي بجبل حرمون كمنطقة مهمة للطيور (IBA)
كان أحد أعظم إنجازات المبادرة هو إعلان جبل حرمون كمنطقة مهمة للطيور (IBA). يضمن هذا الاعتراف، بقيادة BirdLife International وSPNL، استمرار جهود الحفاظ على البيئة وجذب المزيد من التمويل لحماية التنوع البيولوجي.
التحديات وضمان الاستدامة
على الرغم من النجاح، واجه المشروع عدة تحديات، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي والصعوبات الاقتصادية وصعوبة إنفاذ قوانين الحماية. ومع ذلك، من خلال الشراكات الاستراتيجية وإشراك المجتمع، تمكن المشروع من:
- تأمين حظر الصيد البلدي في جبل حرمون.
- تدريب 47 ضابط شرطة بلدية لمراقبة الصيد غير القانوني.
- وضع بروتوكول لمراقبة الزواحف المهددة بالانقراض.
- تطوير خطة عمل للممارسات الزراعية الجيدة، معتمدة من السلطات المحلية.
المستقبل: نموذج يمكن تكراره
يوفر نجاح مبادرة زراعة الزيتون في جبل حرمون نموذجًا قابلاً للتكرار للمناطق الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة في الحفاظ على البيئة. يمكن لمشاريع المستقبل أن تبني على هذه المبادرة من خلال:
- توسيع جهود الحفظ إلى مناطق زراعة الزيتون الأخرى في لبنان.
- تعزيز العلامات التجارية والشهادات لزيت الزيتون الصديق للبيئة.
- تعزيز الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية للمنتجات الزراعية المستدامة.
- إنشاء مراكز حماية البيئة في المناطق المحمية حديثًا.
إرث من الحفظ والزراعة المستدامة
لقد أظهرت مبادرة زراعة الزيتون في جبل حرمون أن الزراعة التقليدية والحفاظ على البيئة ليست متناقضة، بل يمكن أن تعزز بعضها البعض لتحقيق منفعة متبادلة. من خلال تمكين المزارعين المحليين، وتحسين التنوع البيولوجي، وتعزيز الفرص التسويقية، أنشأ المشروع نموذجًا مستدامًا للزراعة الصديقة للبيئة.
