الحفاظ على التقاليد وحماية الطبيعة: الجهود المبذولة لحماية تنوع الزيتون البيولوجي في جبل حرمون

في قلب لبنان، حيث صمدت بساتين الزيتون القديمة أمام اختبارات الزمن، يُكتب فصل جديد—فصلٌ يجمع بين الحفاظ على البيئة ومعيشة المزارعين المحليين. تقع هذه البساتين في جبل حرمون، وهي منطقة غنية بالتنوع البيولوجي، لكنها تواجه تهديدات متزايدة بسبب التوسع العمراني والممارسات الزراعية غير المستدامة. ومن أجل التصدي لهذه التحديات، أطلقت جمعية البيئة من أجل الحياة (E.F.L)، بدعم من صندوق الشراكة من أجل النظم البيئية الحرجة (CEPF)، مشروعًا طموحًا بعنوان “الحفاظ على الممارسات التقليدية لاستخدام الأراضي الضرورية لحماية تنوع الزيتون البيولوجي”.

يهدف هذا المشروع، الذي تم تمويله بمبلغ 229,238 دولارًا أمريكيًا (CEPF Grant 109215)، إلى ضمان استمرار المجتمعات المحلية في رعاية الأرض، مع تعزيز التحول إلى ممارسات أكثر استدامة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب فرض قيود غير طوعية على الوصول إلى الموارد الطبيعية، وهي قضية حساسة تؤثر على المزارعين ومالكي الأراضي ورعاة الماشية. ولضمان عدم الإضرار بمعيشة السكان المحليين، تم تطوير إطار عمل لإدارة القيود غير الطوعية، بحيث يتم تطبيق القيود بطريقة لا تؤثر سلبًا على المجتمعات المتضررة وتضمن مشاركتها الفعالة في عملية اتخاذ القرار.

الأهمية الثقافية والبيئية لجبل حرمون

يُعد جبل حرمون، المعروف أيضًا باسم جبل الشيخ، أحد المناطق الرئيسية للتنوع البيولوجي (KBA) في لبنان. فهو موطن لأكثر من 221 نوعًا نباتيًا، بما في ذلك العديد من الأنواع المستوطنة والطبية. كما أنه يشكل ممرًا حيويًا للطيور المهاجرة، مما يجعله منطقة مهمة للطيور (IBA).

تتمتع المنطقة بتاريخ طويل من زراعة الزيتون، حيث كان الزيتون مصدرًا أساسيًا للرزق لعدة أجيال. ومع ذلك، فإن التحولات الحديثة في الممارسات الزراعية، مثل الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية، والأساليب الحديثة للري، والإفراط في الرعي، تؤدي إلى تآكل التربة، مما يشكل تهديدًا للتنوع البيولوجي. كما أن الصيد الجائر أدى إلى انخفاض أعداد بعض الأنواع مثل الحسون السوري (Serinus syriacus).

ولمواجهة هذه التحديات، يسعى المشروع إلى إحياء الممارسات الزراعية التقليدية، وتعزيز طرق زراعة الزيتون الصديقة للبيئة، مع تقديم استراتيجيات تسويقية جديدة لزيت الزيتون المنتج بطريقة مستدامة. ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه الإجراءات يتطلب فرض قيود على الوصول إلى بعض الموارد الطبيعية، مما يثير تساؤلات حول كيفية تحقيق التوازن بين حماية البيئة ومعيشة السكان المحليين.

إطار عمل القيود غير الطوعية: نهج قائم على إشراك المجتمع

يُعد فرض قيود على الوصول إلى الأراضي قضية حساسة، خصوصًا في المناطق التي يعتمد فيها السكان المحليون على هذه الموارد للعيش والتجارة والتقاليد الثقافية. ومن هنا جاء إطار العمل لإدارة القيود غير الطوعية، الذي يهدف إلى ضمان ألا تؤثر القيود سلبًا على المجتمعات المحلية، وأن يتم تعويض أي خسائر محتملة بطرق عادلة ومستدامة.

أهداف الإطار تشمل:

  • تقليل الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن القيود المفروضة على الوصول إلى الموارد الطبيعية.
  • إشراك المجتمعات المتضررة في عملية اتخاذ القرار لضمان الشفافية والعدالة.
  • توفير فرص معيشية بديلة لأولئك الذين قد يتأثرون بهذه القيود.

إشراك المزارعين المحليين وأصحاب المصلحة

منذ إطلاق المشروع في مارس 2020، عمل فريق E.f.L عن كثب مع البلديات المحلية واتحاد بلديات جبل الشيخ والمزارعين والتعاونيات البيئية لضمان التفاعل الإيجابي مع السكان المحليين. تم تنظيم سلسلة من الاجتماعات المجتمعية، والجولات الميدانية، وورش العمل لشرح أهداف المشروع والاستماع إلى مخاوف المزارعين.

يقول أحمد، وهو مزارع زيتون من بلدة راشيا:
“نحن نزرع الزيتون هنا منذ أجيال. عندما سمعنا لأول مرة عن هذه القيود، شعرنا بالقلق. لكن بعد أن حضرنا الاجتماعات وشاركنا في ورش التدريب، فهمنا أن الهدف هو مساعدتنا على الاستمرار في الزراعة بطريقة تحمي الأشجار وتحافظ على الأرض للأجيال القادمة.”

بفضل هذه الجهود، تمكن المزارعون من تعلم أساليب زراعية صديقة للبيئة، مثل تقليل استخدام المبيدات الحشرية، وتحسين إدارة المياه، والاستفادة من برامج التسويق لزيت الزيتون المستدام، مما فتح لهم أسواقًا جديدة محليًا ودوليًا.

تحقيق التوازن بين الحماية البيئية ومعيشة السكان

من أجل تعويض أي تأثير سلبي قد ينجم عن القيود المفروضة، قدم المشروع حزمة من الإجراءات الداعمة للمجتمعات المتضررة، تشمل:

1. توفير فرص دخل بديلة:

  • تقديم دعم مالي وتقني للمزارعين الذين يتبنون أساليب زراعية مستدامة.
  • تدريب المزارعين على شهادات الزراعة العضوية والتسويق والتصدير، مما يوفر فرص دخل جديدة.

2. تقديم الدعم المالي المباشر:

  • منح تعويضات مالية للأفراد الذين تأثروا بالقيود المفروضة.
  • توفير حوافز مالية للمزارعين الذين يوقعون على ميثاق الممارسات الزراعية الجيدة.

3. تعزيز الحلول المجتمعية:

  • إشراك الرعاة المحليين في إدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام، وتحديد مسارات الرعي لمنع الرعي الجائر.
  • إشراك المجموعات النسائية والشبابية في الترويج لزيت الزيتون التقليدي، مما يعزز فرص العمل المحلية.

تقول مريم، عضو في تعاونية نسائية محلية:
“كان زيت الزيتون دائمًا جزءًا من تراثنا، لكننا الآن نتمكن من تسويقه بطرق جديدة، مما يساعدنا في تحسين دخلنا وحماية بيئتنا في الوقت نفسه.”

آلية حل النزاعات والتعامل مع الشكاوى

نظرًا لأن فرض قيود على الوصول إلى الأراضي قد يؤدي إلى نزاعات بين السكان المحليين، تم وضع آلية لحل النزاعات والتعامل مع الشكاوى، تتضمن:

  • نظام شكاوى رسمي يمكن للسكان من خلاله تقديم تظلمات عبر الاجتماعات المجتمعية أو البريد الإلكتروني أو القنوات الرسمية.
  • لجنة توجيهية تضم ممثلين عن المزارعين والبلديات والخبراء البيئيين لحل النزاعات والتفاعل مع مخاوف المجتمع.
  • حملات توعية واسعة النطاق لشرح أهمية المشروع وفوائده بعيدة المدى.

نموذج يمكن تكراره في مناطق أخرى

مع اقتراب المشروع من نهايته في فبراير 2022، أصبح واضحًا أنه يمكن أن يكون نموذجًا للتنمية المستدامة في مناطق أخرى من لبنان. فقد أظهر المشروع أنه يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على البيئة، من خلال التعاون الوثيق بين المجتمعات المحلية والخبراء البيئيين.

من خلال إشراك المجتمعات المحلية، وتكامل المعرفة التقليدية مع الأساليب المستدامة، ووضع آليات واضحة لحل النزاعات، تمكن هذا المشروع من إثبات أن الحفاظ على التنوع البيولوجي يمكن أن يسير جنبًا إلى جنب مع دعم الاقتصادات المحلية.

مقالات ذات صلة

كشف النقاب عن الزواحف والبرمائيات المخفية في لبنان: اكتشافات جديدة في توزيع الأنواع

يتميز لبنان بتضاريسه المتنوعة، من السهول الساحلية إلى السلاسل...

حماية الأقارب البرية للمحاصيل في لبنان: خارطة طريق للحفظ

يعد لبنان، الواقع ضمن الهلال الخصيب، من أبرز المناطق...

جبل حرمون: تحديات المناخ تطرق بابه

جبل حرمون، هذا المعلم الطبيعي الشامخ الذي يمتد بين...

جبل حرمون: القمة المقدسة التي تربط الأديان والتاريخ

بارتفاعه الشاهق البالغ 2,814 متراً فوق سطح البحر، يُعرف...

إنقاذ قلب لبنان الأخضر: تحديد وحماية المناطق النباتية الهامة

يُعدّ لبنان، جوهرة البحر الأبيض المتوسط، موطناً لتنوع نباتي...

الأنواع المتوطنة

The most common annual Anthemis of Mt Hermon highlands | 2000+ Hhermon | Photo © albert keshet
Anthemis rasheyana

إقحوان راشيا

أنثيميس الرشايانية (Anthemis rasheyana)، المعروفة باسم إقحوان راشيا، هي نوع من النباتات المزهرة موطنها منطقة راشيا في لبنان. تنتمي إلى عائلة النجمية (Asteraceae) وترتبط...
Hermon Maple

قيقب حرمون

القيقب الحرموني (Acer hermoneum) هو نوع نادر من أشجار القيقب موطنه شرق البحر الأبيض المتوسط، ويوجد بشكل رئيسي في لبنان وسوريا، بما في ذلك...
النعار السوري

النعار السوري

طائر النعار السوري (Serinus syriacus)، المعروف أيضًا باسم النعار الشرقي، هو طائر عصفور صغير ينتمي إلى عائلة الشرشوريات (Fringillidae). يوجد هذا الطائر في منطقة...